مُهمّةُ اللغة القرآنية إضاءةُ المُعتم، لا تعتيمَ المُضاء. وربنا -جل في علاه- وضع اللغة، وهو أعلم بمرادها، المُنزّه عن الظلم، فله العدالة المطلقة، ومن لوازم إجلاله وتقديسه الإيمان بأنه المتصرف في الكون وما فيه دون إكراه، ولا محاباة، فالنظام المُحكم الذي تقوم عليه السماء والأرض، يُبطل كل تصورات نزقة، أو تخيّلات مراهقة، وهناك مسافة شاسعة بين ما تتضمنه النصوص الربانية من دلالات خيّرة، وبين ما تجيش به نفوس الوعاظ من نوازع شريرة، ولعل من الافتئات على كلام الله إدراج مشاعر خطيب أو مرشد أو واعظ ضمن الدلالات الشرعية المستنبطة من آية ليكسبها قداسة ويوظفها لتنفيس احتقاناته الخاصة على حساب نقاء الشرع.
جاء في الحديث من قال لمسلم: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، وعندما قتل أسامة بن زيد، مسلماً قال لا إله إلا الله عاتبه الرسول عليه السلام، فردّ بأنه إنما أراد بشهادته، اتقاء سيفه. فسأله عليه الصلاة والسلام «هل شققت عن قلبه؟». وصحت الآثار، بأن من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة.
يتورّطُ بعض المتحمسين في توجيه آيات القرآن الكريم إلى غير وجهتها، ويتكلّف بعضهم في إسقاط آيات سبب نزولها كفار ومشركين، على مؤمنين موحّدِين، وكثيراً ما سلّم صحويون بتفسيرات سيد قطب والمودودي والندوي الموصفّة حكام المسلمين في القرن العشرين بالفراعنة والجاهليين، والقارونيين، والهامانيين، وهذا التسليم عاطفي وغير وجيه، كونه لا ارتباط نَسَبِيا ولا عَقَدِيا بين ما سلف ومن خلف، وربما نجحت أشرطة خطب الراحل عبدالحميد كشك في التحشيد النفسي والاحتقان الأيديولوجي ليتقمص البعض دور المُدعي العام لمواجهة عدائية مع حُكّام مسلمين مُسالمين، لا وجه للمقارنة بينهم وبين السالفين، لا على مستوى التوحيد ولا العبادة، ولا مستوى البيئة الحاضنة.
ويتصور البعض أن مؤهلات الوعظ تُخوّله أن يسقط أعباء وأنباء الأمم البائدة الواردة في القرآن على وطنه ومجتمعه، ويوظف النص القرآني لإثبات قناعاته وحساباته، وهذه مغالطة ذات ثلاثة أبعاد أو مستويات، مستوى التهيئة الوجدانية للسامع وتضليله عن غاية تعبدية بشاغل دنيوي، ومستوى توجيه الاتهام بتلفيق حزمة جرائم لم يقترفها المُتَّهَم، ومستوى تطبيق الغايات بدءا من إلغاء بيعة وفك ارتباط، وهذه آلية حزبية مُغالِطة لا تصح مقدماتها، وبناء عليه لا تصلح نتائجها، فمن أراد إطلاق حكم أو وصف سابق على حادثة أو محدث لاحق يلزمه توفير حيثيات ثبوتية منها التساوي في القصد والجُرم، والتشابه والتطابق في الآليات والأدوات والتصرفات، والتقاطع في النتائج والمخرجات، ليكون الحكم موضوعياً والوصف منطقياً.
مثلما هناك مفسّرون محترفون لكلام رب العالمين، هناك مفسرون (هواة) يسوغون لأنفسهم توجيه النص المقدّس توجيهاً حزبياً حاقداً وشاتماً وشامتاً يذهب به إلى ما هو أبعد من دلالات الحقيقة واحتمالات المجاز، ويُغلّب التشفي الذاتي والانتقام العاطفي على العقلانية والموضوعية، ويُرجّحُ كفّةَ الفوضى على كفتي النظام، ويُلقي بسِلْم وأمن المجتمعات المسلمة عُرض الحائط، ما يؤكد عبثية الحزبيين بالنصوص، وفرض قناعاتهم على المجتمع باستغلال ثقة باتت اليوم غير مفرطة.
بالرجوع لعرض مرئي يوثّق تأثير الأدلجة على الحزبي عبدالله النفيسي، نراه ونسمعه يتباهى فيه بأنه أمّ العسكر في (مخفر) وخطب بهم خطبة الجمعة، فأسقط قصة موسى عليه السلام على نفسه، وفرعون على السُّلطة التي اعتقلته، وقال وهو يشير لهم «إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين»، ويضيف في وعظه للجنود؛ أنت مثل فرعون وأنت مثل هامان في مدافعة الحق، ولولا أنت لما كان لا فرعون ولا هامان، وأضاف «أنتم آثمون في مناصرة فرعون وهامان»، ثم بدأ يدعو «اللهم عليك بفرعون وهامان وجنودهما الخاطئين، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية وزلزل الأرض من تحت أقدامهم»، ويدّعي أن الجنود والضابط قالوا؛ آمين فقال؛ أقم الصلاة!! فهل هناك استخفاف بمشاعر البسطاء والسذج أفدح مما يروجه النفيسي؟، علماً بأنه (خريج كلية فيكتوريا في مصر في الخمسينات، والجامعة الأمريكية في الستينات، وكامبريدج في السبعينات) فما ظنكم بإسقاطات التقليديين، ممن هم أقلّ منه في العلم والتصور وأكثر منه غرقاً في لُجة الحزبية؟ لا ريب أن هذا تدليس حزبي معتمد على التفسيرات القطبية المتأزمة والمسوّقة خليجياً وعربياً على يد النخبة الإخوانية المسوّغة تشبيه المؤمنين بالكافرين!.
يدفع الغل والحقد الحزبيين من الإخوان والسرورية تحميل النص القرآني فوق ما يحتمل، بدوافع استثارة المجتمع ضد الوطن، وإذكاء روح الكراهية للحكام والنفور منهم، والخروج بآيات القرآن من سياقات الاتعاظ والاعتبار إلى تفصيلها بمقاس أمم ومجتمعات وأفراد، دون أن يلتمس الحزبي بالمقدّس عذراً، بل يفتّش عن دليل إدانة وتجريم، ولديه جرأة على قلب الحقائق، وتوفير الذرائع لتفادي اللوم أو النقد.
لا يقبل العقل أن أُسقط عليك أخلاق جدك الذي لم يمض على رحيله مائة عام، والموضوعية تأبى محاكمة إنسان مسلم بتهمة اقترفها أبوه أو سوء سلوك خاله أو صفاقة عمه، وهم جميعاً مسلمون، فهل يقبل الله -جلا وعلا- ورسوله -عليه السلام- تشبيه مسلم في بيئة مسلمة بكافر في مجتمعات غالبيتها كفرة، وإسقاط آيات تتحدث عن مجرمين عتاة على حاكم مسلم يؤمن بالدين الحنيف ويطبق فرائضه؟
هذه إحدى تجليات الخطابات الإخوانية والسرورية التي سعت لضرب اللحمة الوطنية، وتنفير الشعوب من حكامها لكي يخلو لها الجو فتصفر وتبيض، ومَنْ لم يتأدّب مع خطاب الله لن يتأدّب مع خلقه.
جاء في الحديث من قال لمسلم: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، وعندما قتل أسامة بن زيد، مسلماً قال لا إله إلا الله عاتبه الرسول عليه السلام، فردّ بأنه إنما أراد بشهادته، اتقاء سيفه. فسأله عليه الصلاة والسلام «هل شققت عن قلبه؟». وصحت الآثار، بأن من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة.
يتورّطُ بعض المتحمسين في توجيه آيات القرآن الكريم إلى غير وجهتها، ويتكلّف بعضهم في إسقاط آيات سبب نزولها كفار ومشركين، على مؤمنين موحّدِين، وكثيراً ما سلّم صحويون بتفسيرات سيد قطب والمودودي والندوي الموصفّة حكام المسلمين في القرن العشرين بالفراعنة والجاهليين، والقارونيين، والهامانيين، وهذا التسليم عاطفي وغير وجيه، كونه لا ارتباط نَسَبِيا ولا عَقَدِيا بين ما سلف ومن خلف، وربما نجحت أشرطة خطب الراحل عبدالحميد كشك في التحشيد النفسي والاحتقان الأيديولوجي ليتقمص البعض دور المُدعي العام لمواجهة عدائية مع حُكّام مسلمين مُسالمين، لا وجه للمقارنة بينهم وبين السالفين، لا على مستوى التوحيد ولا العبادة، ولا مستوى البيئة الحاضنة.
ويتصور البعض أن مؤهلات الوعظ تُخوّله أن يسقط أعباء وأنباء الأمم البائدة الواردة في القرآن على وطنه ومجتمعه، ويوظف النص القرآني لإثبات قناعاته وحساباته، وهذه مغالطة ذات ثلاثة أبعاد أو مستويات، مستوى التهيئة الوجدانية للسامع وتضليله عن غاية تعبدية بشاغل دنيوي، ومستوى توجيه الاتهام بتلفيق حزمة جرائم لم يقترفها المُتَّهَم، ومستوى تطبيق الغايات بدءا من إلغاء بيعة وفك ارتباط، وهذه آلية حزبية مُغالِطة لا تصح مقدماتها، وبناء عليه لا تصلح نتائجها، فمن أراد إطلاق حكم أو وصف سابق على حادثة أو محدث لاحق يلزمه توفير حيثيات ثبوتية منها التساوي في القصد والجُرم، والتشابه والتطابق في الآليات والأدوات والتصرفات، والتقاطع في النتائج والمخرجات، ليكون الحكم موضوعياً والوصف منطقياً.
مثلما هناك مفسّرون محترفون لكلام رب العالمين، هناك مفسرون (هواة) يسوغون لأنفسهم توجيه النص المقدّس توجيهاً حزبياً حاقداً وشاتماً وشامتاً يذهب به إلى ما هو أبعد من دلالات الحقيقة واحتمالات المجاز، ويُغلّب التشفي الذاتي والانتقام العاطفي على العقلانية والموضوعية، ويُرجّحُ كفّةَ الفوضى على كفتي النظام، ويُلقي بسِلْم وأمن المجتمعات المسلمة عُرض الحائط، ما يؤكد عبثية الحزبيين بالنصوص، وفرض قناعاتهم على المجتمع باستغلال ثقة باتت اليوم غير مفرطة.
بالرجوع لعرض مرئي يوثّق تأثير الأدلجة على الحزبي عبدالله النفيسي، نراه ونسمعه يتباهى فيه بأنه أمّ العسكر في (مخفر) وخطب بهم خطبة الجمعة، فأسقط قصة موسى عليه السلام على نفسه، وفرعون على السُّلطة التي اعتقلته، وقال وهو يشير لهم «إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين»، ويضيف في وعظه للجنود؛ أنت مثل فرعون وأنت مثل هامان في مدافعة الحق، ولولا أنت لما كان لا فرعون ولا هامان، وأضاف «أنتم آثمون في مناصرة فرعون وهامان»، ثم بدأ يدعو «اللهم عليك بفرعون وهامان وجنودهما الخاطئين، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية وزلزل الأرض من تحت أقدامهم»، ويدّعي أن الجنود والضابط قالوا؛ آمين فقال؛ أقم الصلاة!! فهل هناك استخفاف بمشاعر البسطاء والسذج أفدح مما يروجه النفيسي؟، علماً بأنه (خريج كلية فيكتوريا في مصر في الخمسينات، والجامعة الأمريكية في الستينات، وكامبريدج في السبعينات) فما ظنكم بإسقاطات التقليديين، ممن هم أقلّ منه في العلم والتصور وأكثر منه غرقاً في لُجة الحزبية؟ لا ريب أن هذا تدليس حزبي معتمد على التفسيرات القطبية المتأزمة والمسوّقة خليجياً وعربياً على يد النخبة الإخوانية المسوّغة تشبيه المؤمنين بالكافرين!.
يدفع الغل والحقد الحزبيين من الإخوان والسرورية تحميل النص القرآني فوق ما يحتمل، بدوافع استثارة المجتمع ضد الوطن، وإذكاء روح الكراهية للحكام والنفور منهم، والخروج بآيات القرآن من سياقات الاتعاظ والاعتبار إلى تفصيلها بمقاس أمم ومجتمعات وأفراد، دون أن يلتمس الحزبي بالمقدّس عذراً، بل يفتّش عن دليل إدانة وتجريم، ولديه جرأة على قلب الحقائق، وتوفير الذرائع لتفادي اللوم أو النقد.
لا يقبل العقل أن أُسقط عليك أخلاق جدك الذي لم يمض على رحيله مائة عام، والموضوعية تأبى محاكمة إنسان مسلم بتهمة اقترفها أبوه أو سوء سلوك خاله أو صفاقة عمه، وهم جميعاً مسلمون، فهل يقبل الله -جلا وعلا- ورسوله -عليه السلام- تشبيه مسلم في بيئة مسلمة بكافر في مجتمعات غالبيتها كفرة، وإسقاط آيات تتحدث عن مجرمين عتاة على حاكم مسلم يؤمن بالدين الحنيف ويطبق فرائضه؟
هذه إحدى تجليات الخطابات الإخوانية والسرورية التي سعت لضرب اللحمة الوطنية، وتنفير الشعوب من حكامها لكي يخلو لها الجو فتصفر وتبيض، ومَنْ لم يتأدّب مع خطاب الله لن يتأدّب مع خلقه.